شارع الثقافة

صديقي الصغير.. (قصة قصيرة للكاتبة مها خاطر)

المهندسة مها خاطر - 2
المهندسة مها خاطر

أهلا بك يا صديقى الصغير..

أهلا بك داخل عالمى..

ماذا جاء بك الآن؟

هل هو الفضول.. أم الشغف للإستماع؟

لقد فكرت مليا عند إخبارك لى برغبتك فى الحضور..

حاولت أن أتنبأ عن سبب قدومك…

سبب تذكرك لصديقك الكبير…

ماذا تنتظر منى أن أخبرك…

ماذا تنتظر من كهلا على أعتاب الشيخوخة…

أن يخبرك كم أثقلته الحياه و زودته بالتجارب…

ماذا تعلم وعرف من سفراته الطويلة ومن كل البلدان التى زار… من الأشخاص بشتى الألوان و الأجناس و الأعراق؟…

هل تظننى و أنا أنفث دخان غليونى بينما أنا مستلقى على كرسى الوثير وأرتشف آخر ما تبقى من فنجان قهوتى أننى سوف أخبرك كل هذا؟…

أن أخبرك عصارة التجارب والمغامرات…

هه… هل تظن أن الأمر بتلك البساط؟…

إنك يا عزيزى كالمقبل على دخول مسرحية من فصول عدة.. ملزم بحضور كل الفصول كاملة… لا أستطيع أن أوجزها لك فالموجز لا يغذى فضول المتفرج….

أنت تقرأ كتاب من ألف صفحة… لا أستطيع أن أختصره لك فى مدونة… فالمدونة لا تشبع نهم القارئ…

أنت على وشك الإلتحاق بامتحان طويل ذي مراحل عدة ومنهج عريض يحتاج الكثير من الاستذكار فالملخصات لا تكفى للنجاح….

إنك ملزم على خوض معركتك منفردا فنحن لا نحارب فى جماعات…. فهى قصتك وحدك… امتحانك بنسخة واحدة وليس له دور ثان لإعادة التجربة…

وإن قرأت ألف كتاب وصادقت مائة صديق… فلن تجد أحدا إلى جوارك فى معركتك الحقيقية… فتلك قواعد اللعبة أن تلعب منفردا…

ويا للغرابة فأول جولة تلعبها أولا أمام نفسك أنت الخصم والحكم… تلعب أمامها فتروضها أو تروضك… فتطيعها لخدمتك ولعونك أو تشرسها فتتحول ضدك يوما….

عليك أولا أن تخوض تلك الحرب وتنتصر فى أول معركة… معركتك مع ذاتك… حتى تعرفها… تعرفها حق المعرفة… ثم تأتى بعد ذلك معاركك مع الحياة بكل صورها…

من فضلك لا تزايد على حبى لمساعدة الناس أو فعل الخير فليس كل شيء تراه كما هو… فحقيقه الأشياء لا ترى عبر منظار واحد…

وإن كنت تعتبر أن البوح بسيرتى السابقة ونوادر الماضى قد يساعدك أو يلهمك… فإليك مجلدات من مذكراتى…

ولكن مهلا يا عزيزى…

إن كان الإنسان يتعلم من تجارب الأخرين… فلماذا تتكرر الأخطاء دوما بنفس الطريقه ونفس الآداء..

لماذا ننخدع؟…

لماذا نقهر؟…

لماذا نحبط؟…

ولماذا نضل الطريق؟…

لماذا يكرر التاريخ نفسه بنفس الصورة باختلاف الأشخاص والأماكن؟….

لما تتكرر الحروب التى تدمى القلوب وتحصد الأرواح…. تمزق الأوطان…. ويصفى من نجا من مواطنيها بين نازح أو لاجئ هبط هبوطا اضطراريا على دولة مجاورة شقيقة أو غريبة… أو تشتت بين بقاع الأرض….

يااااه يا صغيرى!!!…

ما أشبه الليلة بالبارحة!!….

فإنى أرى من خلال عينيك وشغفهما شخصا أعرفه حق المعرفة… دائما ما أتذكره وأبتسم فهو يمثل لى جزءا نابضا من قلبى…. كيف كان دءوبا شغوفا مثلك… كم كان متسرعا عنفوانيا آن ذاك….

أتذكر!!…

أتذكر كيف كانت إبتسامته تسع العالم كله…

كيف كان يفكر ويتصرف….

كيف كان يحب…

كان يريد أن يعرف وأن يفهم… وكان يسأل كثيرا… كلما مر بتجربة… كلما كسب أو خسر شيئا يعتقد أنها المرة الأخيرة وأنه بالمرة المقبلة سوف يحسن التصرف ويتعلم وينصت للنصيحة…

وفى كل مرة يتصرف بشكل مختلف…

شكل خاص به هو وحده.. ربما كان خطأ أو صوابا….لا أحد يعرف فمن بمقدوره أن يحدد الصواب من الخطأ …

من يحتكر إمكانيه الحكم والتقييم على غيره… وكلنا بشر خطاؤون…

أنت ستمر بكل شيء… ستحقق أسطورتك الذاتيه… ستصل لما تصبو إليه عيناك…

فقط إهدأ قليلا ….

قلل من توقعاتك…

وكن دائما جاهزا لشتى الظروف ولتغير الأحوال والأماكن والظروف…

إهدأ وتروى حتى أستطيع أن أستمتع بسماع موسيقاى المفضلة وأنا أنفث دخان غليونى وأرتشف آخر قطرة من فنجان قهوتى!!…..

المهندسة مها خاطر - 2

اظهر المزيد

المهندسة مها خاطر

مهندسة الديكور والفنانة التشكيلية مها خاطر.. خريجة الفنون الجميلة قسم الديكور.. لها عدة كتابات وأعمال حرة.

مقالات ذات صلة

يسعدنا مشاركاتك

زر الذهاب إلى الأعلى
« Browse the site in your preferred language »