مساحة للاختلاف

المهندس طارق عيد يكتب: «لحظات تجمد»

في كثير من الأفلام السينمائية تتحرك الدُمَى وتتحول إلى أشخاص، والليلة تجمد عقلي قليلاً وتجمدت معه الأشخاص وبدأت أرى الأمور بغلاف شمعي.. ماذا لو حدث العكس؟

ماذا لو تحول الناس إلى أشياء؟

ماذا سأكون؟

وماذا سيكون الآخرون؟

هل سأتحول إلى مقعد مثلاً؟ أم سأصير شماعة؟ أم سأكون ورقة؟

أي الجماد يشبهني؟!

سأبحث في القنوات الفضائية عن جماد يشبهني..

ها هو الأستاذ (طبلة) ينتقد السيد (سلة القمامة الأسطوانية) والذي بدوره يسبه على قناة أخرى بجوار السيد (فوطة)..

هذه الأجواء لا تناسبني، سأذهب إلى الشرفة..

في فترة الطفولة كنت أقف طويلًا في الشرفة و أتخيل السيارات والحافلات تنطق وتتكلم مثل الأشخاص، لطالما أحببت تلك اللعبة حتى إذا ما خرجت إلى الشارع أكاد أحتضنهم وأقَبل عجلاتهم، ولكن هناك دخيلاً جديداً لم يكن موجودا في فترة طفولتي البريئة ..

إنه هذا الـ(توكتوك) الصغير والذي يبدو لي من الوهلة الأولى أنه قد خرج إلى الحياة كنتيجة حتمية لخطيئة كبرى وقعت في لحظات طيش تبرأ منها فاعلها فصار هذا الصغير يهيم في الطرقات كأطفال الشوارع بلا أب شرعي أو شهادة ميلاد!

كنت أخجل من حكي تخيلاتي في الطفولة حتى أنتجت شركة (بيكسار PIXAR) العالمية فيلم (السيارات) ورأيت (برق بنزين – Lightning McQueen) ومن بعده (هوللي دركسيون – Holley Shiftwell)..

فدائماً يتحدث الجماد في رسومهم المتحركة وكذلك الحيوان و الحشرة والنبات وحتى الأشباح..

ولكن لا يمكن أن يحدث العكس فيسكت المتحدث ويتجمد المتحرك و تنعدم الأحداث وبالتالي نعود للصورة الواحدة..

وهذا ما يضع بلادنا في مكانة تتفوق فيها على سائر الدنيا، لأن المعادلة عندنا تسير في الإتجاهين، فيتحرك الساكن ويتجمد المتحرك، فنحن من نعلوا بالحجارة مصاطب ودرجات ونحن أيضاً من نَوئِد الفكرة الحرة في باطن الأرض، وفي كثير من الأحيان ندفع الساكن المتكاسل ليتقدم و نعرقل النافذ النشط فيفشل!

لم أجد شيئاً في هذا الشارع يشبهني، وبدأت فكرة الجمودية تتبخر من رأسي ولم أعرف ماذا سأكون إذا تحولت إلى شيئ حتى عثرت على الإجابة حين سمعت رنين جرس باب المنزل وذهبت نحوه وأمسكت بالمقبض (الأكرة) فشرعت في تحريكها، ولكن توقفت لوهلة فككت فيها قبضة يدي ونظرت إلى المقبض أتأمله، فقلت في نفسي لعل هذا الباب لا ينفتح إذا ما تلف أو ضاع هذا المقبض، وقطعاً سيصعب غلقه، و حينئذ ربما سيحتاج الباب إلى دفعة قوية قد تكسره..

كيف كنت أغفل هذا المقبض؟!

اظهر المزيد

المهندس طارق عيد

كاتب وروائي مصري .. مهندس ديكور و‏رئيس شعبة الديكور ومقرر لجنة ممارسة المهنة‏ ب‏نقابة الفنانين التشكيليين‏

مقالات ذات صلة

يسعدنا مشاركاتك

زر الذهاب إلى الأعلى
« Browse the site in your preferred language »