المهندس طارق عيد يكتب عن: «الصحافة وصناعة الزلازل»

عندما تجمتع بعض الأسماء في عمل واحد لابد من التوقف لمشاهدة وتحليل ما يقدمون..
وهذا ما حدث عندما علمت أن المخرج (ستيفن سبيلبرج) والنجمة (ميرل ستريب) والنجم (توم هانكس) قد اجتمعوا في عمل واحد..
ولمن لا يعرف.. فالأول حاز على 184 جائزة من بينهم جائزة “أوسكار” لأفضل مخرج مرتين، والنجمة (ستريب) حازت على 172 جائزة من بينها ثلاث جوائز “أوسكار” أفضل ممثلة دور أول و ثان، و”هانكس” فاز بـ 82 جائزة من بينهم جائزة (أوسكار) أفضل ممثل دور بطولة مرتين، بخلاف عشرات الترشيحات الأخرى للثلاثة.
هؤلاء النجوم صنعوا في 2018 فيلما بعنوان (The Post) والمقصود صحيفة (واشنطن بوست) الأمريكية المعروفة..
وقصة الفيلم مبنية على أحداث حقيقية جرت في أوائل السبعينيات من القرن الماضي عندما سربت صحيفة “واشنطن بوست” وثائق سرية تابعة لوزارة الدفاع الأمريكية في عهد الرئيس الأمريكي السابق (ريتشارد نيسكون) تتمحور حول حرب فيتنام، وهي الوثائق التي بدأت في نشرها صحيفة (نيويورك تايمز) كانت سبباً في تقييدها قضائيا بواسطة (نيكسون)، و بإختصار فإن الفيلم يجسد قصة حرب الصحافة ضد السلطة.
القصة رغم حدوثها في بلاد الحريات إلاّ أنها لم تكن بالسهلة على أبطالها الذين وجدوا أنفسهم في مفترق طرق ما بين السير في طريق الإستسلام الصحفي وإرضاء السلطة مع ستر الخفايا والأخطاء و هو بمثابة “سكة سلامة” لوريثة الجريدة (كاثرين جراهام)..
أو السير في طريق فضح الإدارة الأمريكية وبعض قيادات الجيش وأخطائهم المتراكمة والتي تسببت في قتل الآلاف ممن دُفع بهم في حرب “فيتنام” وهو يعد طريق ملئ بالأشواك قد يؤدي في النهاية إلى محو إسم (واشنطن بوست) من بين الكيانات الصحفية.
هذا المفترق يضع أبطال القصة وكل من يشاهد الفيلم أمام تساؤل مهم جدا وهو “هل الصحافة تعمل لمصلحة الشعب أم لمصلحة النظام الحاكم”؟..
وهو التساؤل الذي يفتح الباب لمجموعة من التساؤلات الأخرى حول الدور الأصلي للصحافة والصحفيين، وحول مدى تأثُر الصحافة بقيود السلطة وتأثير الصحافة أو الإعلام بشكل عام في تشكيل الوعي السياسي لدى المواطن.
المجتمع الأمريكي في غالبيته مجتمع يقرأ ويتعلم، والقضاء الأمريكي يعمل بشكل حر، لذلك كان الرهان على وعي الشعب وعدل القضاء مقامرة عادة ما تأتي عواقبها محمودة في مثل تلك الحالة والتي تأتي بثمار جيدة تنقذ الباحثين عن حرية الرأي والتعبير من السقوط في براثن السلطة المضللة، فلا بد دائماً من ضريبة تدفعها العقول المستنيرة حتى تسير الأمور بشكل صحيح..
لهذا كانت الأحداث في الفيلم والمأخوذة عن أحداث حقيقية بمثابة سباق وصراع دائم داخل مصنع خفي منتجه النهائي سيتسبب في زلزال كبير ولكنه زلزال محمود يدفع بمصالح الشعب في المقدمة أمام رؤية أي قائد أو أي إدارة تحاول التدليس.
وبخلاف العناصر الفنية والإبداعية للفيلم والتي تخص صناع السينما والنقاد، فإن الفيلم يحمل رسائل بالغة الأهمية للحكام والشعوب ويرسم حدود العلاقة ما بين الصحافة والسلطة الحاكمة بالشكل الذي يصب في مصلحة المواطن بحق..
فبعد أن شاهدت الفيلم تمنيت لو أن كل المشتغلين بالصحافة والإعلام في مصر يشاهدونه..
لأن رسالته واسعة وهو من الأفلام القليلة التي تكشف كواليس تسريب قضايا وفضائح كبيرة نشرتها الصحافة الحرة بعد خوض المغامرة وأثرت بها في المجتمع والقرارات السياسية التالية فساهمت في إصلاح الأخطاء..
وفي النهاية فإني أرى أن أي صحافة مكبلة هي مجرد وريقات تسطر فيها أخبار منتقاة ثم يمسح بها الزجاج، وأي إعلام موجه أو مبني على المصالح الشخصية هو مجرد شرايين يدَس فيها السموم حتى تصير الدماء ملوثة و تصاب الأجهزة بالشلل.