الدكتور أحمد عبد الدايم يكتب عن: «البحث عن الاتحاد الاشتراكي»

وأنا أحاول البحث عن الاتحاد الاشتراكي وماهيته، وكيفية تغلغل النظام السياسى الناصرى بين أتباعه، توقفت عند مشهد آخر يتعلق بـ «الإصلاح الزراعي» المحيط بى من كل مكان فى قريتى الجديدة.

فقرية الرياينة التى انتقلت إليها تعتبر من خلق الإصلاح الزراعى وصنعه بامتياز.
حيث استفاد غالبية أهلها من تأميم أملاك أحمد عبود باشا، فحصلوا على ما بين ثلاثة إلى خمسة فدادين لكل واحد منهم.
الأمر الذى ميز أهلها دون غيرهم من اهالى القرى الجنوبية المجاورة لهم من قرى الرزيقات والمحاميد.
فكان أبناء الرياينة هم أبناء الدولة ورعاياها بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، يؤيدون قضاياها ويؤتمرون بأمرها قبل غيرهم.
وبالتالى فإن مدرستها الابتدائية التى نشأت بها تتفوق على غيرها من المدارس، مساحة وجمالًا وبناء وتألقًا.
وأيضًا كان مستشفاها ومباني إصلاحها الزراعى وقنواتها وجسورها تتفوق على نظيراتها فى القرى المجاورة.
لا لسبب إلا لأن الدولة وجدت لديها مساحات كبيرة من أراضي الاصلاح أقامت على أجزاء من مؤسساتها وخدماتها، أما بقية الأراضى الشاسعة فقد أعطتها للفلاحين.
وكنت أتساءل حينها لماذا لم يستفد أهل قريتى، الرزيقات قبلى، من هذا الإصلاح الزراعى ومؤسساته التى تنظم حياة مزارعي الرياينة وتخدمهم؟
فكل أراضى الرزيقات هى أراضيهم أبًا عن جد، ولم يكن لعبود باشا أى وجود فى قرى الرزيقات والمحاميد ونجوعهما.
ارتباطي بنظام ثورة يوليو ومتغيراتها الاجتماعية
اعتقد أن انتقالى إلى قريتى الجديدة خدمني كمؤرخ أكثر من غيره.
فقد ربطنى بثورة يوليو ومتغيراتها الاجتماعية، وأيضا ربطنى بنظامها الذى يتعلق به هؤلاء الفلاحون أشد التعلق.
وبالتالى أوجد عندى أسئلة مختلفة عن أسئلتى السابقة.
فما هى ثورة يوليو 1952 التى أعطت هؤلاء وحرمت غيرهم؟
ولماذا استفاد فلاحي الرياينة منها ولم يستفد منها أهل قريتى الأم فى مسألة أراضى الإصلاح الزراعي ؟
ولماذا يحب أهالى تلك القرية عبد الناصر أكثر من أى شخص آخر حتى لو كان واحدا منهم؟
وكيف لا يستطيع هؤلاء الفلاحين زراعة ما يعن فى رؤوسهم من زراعات مثل أهالى قريتنا ويلتزمون بسياسة الإصلاح الزراعى دون نقاش أو جدل؟
ولماذا يذهب إنتاجهم لهذا الإصلاح؟
ولماذا يرتبون حياتهم الاقتصادية والاجتماعية على أوقات الصرف المالي لهيئة الإصلاح؟
والى أين يذهب إنتاج الفلاحين الكبير من العدس والفول وقصب السكر وغيره؟
أعتقد أن الإجابة على بعض الأسئلة السابقة كان سهلًا وميسرًا بحكم أن فيلات الرى التى نقيم فيها تقع إلى جوار الإصلاح الزراعى المرتبط بحياة الآلاف من الفلاحين والمنظم لطرق زراعة أراضيهم.
فكنت اسأل موظفي الإصلاح عما أريد، وكانوا يقدمون إجابات شافية عن طريقة عملهم.
لكن الأسئلة المرتبطة بالثورة ورجالها كانوا يجهلون الإجابة حولها.
الشخصيات السياسية المهمة في قرية الرياينة
لكننى عرفت من بعض الأهالى بأن بعضهم قد عمل مع عبود باشا ويعرف سرايته معرفة تامة، بل ويعرف «منى عبود» وحكايات كثيرة حول بداية الإصلاح الزراعى وكيف تقدموا له.
ذاكرين بأنهم أولى الناس بتلك الأراضى لكونهم خدموا فيها واشتغلوا داخلها بكدهم وعرقهم، وأن ثورة يوليو 1952 قد أعطت أراضى الإصلاح الزراعي للذين عملوا فى تلك الأراضى، وأن بضاعتهم ردت إليهم، وأن أهالى الرزيقات لم يعملوا فيها أبدًا، وأنهم كانت لهم أراضٍ خاصة بهم لم يستطع عبود باشا شرائها منهم.
وأنهم يدرون عن أهالى القرى الشمالية كأرمنت الحائط والمريس والضبعية أكثر من أهالى قريتى.
بحكم قربهم منهم وبحكم أن كثيرين منهم قد استفادوا من الإصلاح الزراعي مثلهم.
هذا بالرغم من وجود مساحات كبيرة من الأراضى فى تلك القرى الشمالية تعد ملكية خاصة ورثوها «كابرًا عن كابر».
وأن وعيهم السياسى أكثر من غيرهم.
فقد توفر لدى قرية الرياينة عدد من الشخصيات السياسية المهمة، وعدد من العائلات المنفتحة فى الزواج على غيرها من القرى الشمالية وترسخت علاقاتي مع أخوة وأصدقاء لا يزالون يعيشون فى سويداء قلبى.
وبالتالى كان انتقالى لتلك القرية الجميلة قدرا من الله للتعلم، وكأنه اختيار إلهى لصناعة مؤرخ مطلع على ظواهر اجتماعية عديدة، ومنفتح على عوالم مختلفة تشارك فى انضاج وعيه السياسى والمجتمعى فى سنوات عمره الأولى.
كل تلك الأسئلة دارت فى مخيلتي وأنا لم انتقل بعد لمرحلة الإعدادية.
فترى إلى ماذا تأخذني قدماي فى المرحلة التالية؟
وهل سأجد إجابات للأسئلة الكثيرة التى كانت تدور فى ذهني؟
أم ماذا سيحدث؟