مساحة للاختلاف

الدكتور قدري حفني يكتب: حول المشاركة فى العمل العام

المشاركة حق من حقوق المواطنة، شأنها شأن المساواة فى الحقوق دون تمييز قائم على الدين أو الجنس أو اللون أو المستوى الاقتصادي، أو الانتماء السياسي، أو الموقف الفكري، والحرية فى الاعتقاد وممارسة الشعائر الدينية والتنقل، إلى جانب واجبات المواطنة التى تتضمن احترام القانون، ودفع الضرائب، وتأدية الخدمة العسكرية، واحترام حرية وحقوق الآخرين.

وتتضمن المشاركة بدورها العديد من الحقوق، مثل الحق فى تنظيم حملات الضغط السلمى على الحكومة أو بعض المسئولين لتغيير بعض القرارات أو البرامج، وممارسة كافة أشكال الاحتجاج السلمى المنظم مثل التظاهر والإضراب كما ينظمها القانون، والتصويت فى الانتخابات العامة بكافة أشكالها، وتأسيس أو الاشتراك فى الأحزاب السياسية أو الجمعيات أو أى تنظيمات أخرى تعمل لخدمة المجتمع أو لخدمة بعض أفراده، وكذلك الترشيح فى الانتخابات العامة بكافة أشكالها.

ونلاحظ فى بلادنا هذه الأيام كما اتضح خلال الانتخابات الأخيرة انتشار «السلبية السياسية» و«اللامبالاة الاجتماعية» و«ضعف روح الفريق» و«الفردية»… إلى آخر قائمة طويلة من الظواهر المشابهة التى يمكن إدراجها جميعا تحت عنوان واحد هو «معوقات المشاركة الاجتماعية».

وعلى أى حال فإن المشاركة السياسية فى عديد من الدول النامية لا تختلف عنها فى بلادنا حيث تتصف بالشكلية وعدم الفاعلية إذ يجد الفرد نفسه خاضعا لقرارات وسياسات لم يسهم حقيقة فى صنعها، ومن ثم فإنها قد لا تعبر عن آماله ومطالبه. ولقد تعددت التفسيرات المطروحة لظاهرة العزوف عن المشاركة السياسية فى الدول النامية حيث أرجعها البعض مثلا إلى ذلك التفاوت الاقتصادى – الاجتماعى الحاد فى توزيع الدخول والثروات ومن ثم التفاوت الملحوظ فى الأوضاع المعيشية وتآكل وجود الطبقة الوسطى مما يؤدى إلى جمود الحراك وتكريس عدم المساواة. وأرجعها البعض إلى انخفاض درجة الوعى السياسي، بمعنى عدم معرفة المواطن لحقوقه السياسية وواجباته وما يجرى حوله من أحداث ووقائع وبالتالى عجز المواطن عن تجاوز حدود الجماعات الصغيرة التى ينتمى إليها ليشارك خبرات ومشكلات المجتمع ككل. ويعتمد الوعى السياسى بهذا المعنى على توافر عدة متطلبات على رأسها توافر مناخ حر ديمقراطى يشمل المجتمع كله بكافة مؤسساته السياسية والتعليمية والإعلامية.

هناك ارتباط وثيق بين المشاركة وما تتطلبه من سيادة مناخ ديمقراطى، ولا يقتصر الأمر على المشاركة فى ممارسة الحياة السياسية فحسب، بل إن المشاركة فى المجالات التى تبدو للوهلة الأولى بعيدة عن السياسة كمشاركة الفرد فى صنع القرارات فى نطاق الأسرة والمدرسة والجامعة والعمل وغيرها من المجالات الاجتماعية تلعب دورا حاسما فى تشكيل اتجاهات الأفراد نحو النظام السياسى والعملية السياسية، ولعل المجال الذى لا يحظى منا باهتمام مناسب هو أهمية تنشئتنا لأطفالنا.

إن تنشئتنا لأطفالنا تعد فى حقيقة الأمر حجر الأساس فى ممارسة المشاركة الاجتماعية فى كافة المؤسسات التعليمية والسياسية والإنتاجية والإعلامية. ولما كانت العلاقات داخل الأسرة فى غالبية البلاد النامية تفتقد الديمقراطية ولا تشجع على المشاركة فقد كان لابد أن ينعكس ذلك على ممارسات الحياة السياسية فى ظل انتشار الخوف التقليدى من السلطة وما يترتب عليه.

إن مشاركة الفرد فى صنع القرارات فى نطاق الأسرة والمدرسة والجامعة، تعد بمثابة الحلقات المتصلة المتدرجة التى تمهد الفرد للمشاركة السياسية الكاملة. فليس من المتصور أن يظل الفرد بمنأى عن إبداء رأيه فى شئون الأسرة ثم المدرسة ثم الجامعة، ثم نتوقع منه أن يكون مشاركا فعالا مهتما بشئون مجتمعه حين يكبر. إن مثل هذه المشاركة فى تلك المجالات التى قد لا تبدو سياسية، تضع الأساس لتشكيل اتجاهات الأفراد نحو النظام السياسى والعملية السياسية، بحيث يمكن القول إن المشاركة السياسية على نطاق واسع عادة ما تسبقها، وتصاحبها مشاركة واسعة فعالة فى هذه الميادين الاجتماعية.

وتعد الأسرة بمثابة المؤسسة التدريبية التى يتلقى فيها الطفل الدروس الأولى فى المشاركة الاجتماعية، فإذا ما كانت الأسر لا تشجع على المشاركة، فلابد وأن ينعكس ذلك على الحياة السياسية فى شكل انخفاض معدلات المشاركة فى ظل انتشار الخوف التقليدى من السلطة وما يرتبط بها. إن العلاقة مع السلطة تنشأ أول ما تنشأ فى علاقة الفرد بالوالدين داخل الأسرة، بما تحمله هذه العلاقة من أنماط اجتماعية وثقافية وتاريخية للمجتمع الذى يعيش فيه الفرد، ومن ثم فإن مراحل الطفولة الأولى تشهد تكوين ملامح هذه العلاقة التى تلعب دورا كبيرا فى تحديد أسلوب تعامل الفرد مع رموز السلطة فى المجتمع مستقبلا.

ولعل بداية انفتاح الطفل على إمكانية المشاركة الفعلية تبدأ منذ مرحلة الطفولة المبكرة أى فى سن 2 – 5 سنوات، وهى المرحلة التى تقابل مرحلة الحضانة ورياض الأطفال، وإن كان الإعداد لها يبدأ قبل ذلك. وترجع أهمية هذه المرحلة إلى ما يميزها من تحول الطفل من الاعتماد الكامل على الأسرة إلى الاعتماد على الآخرين والتفاعل معهم. إن انتقال الطفل من المنزل إلى المؤسسة التعليمية، إنما يمثل فيما نرى بداية تشكيله السياسى بالمعنى الدقيق.

***************

الدكتور قدري محمود حفني (13 أغسطس 1938 – 6 مايو 2018)

أستاذ علم النفس في جامعة عين شمس، وأحد أبرز المتخصصين في علم النفس السياسي بالعالم العربي.

حصل على ليسانس الآداب، قسم علم النفس من جامعة عين شمس، والماجستير فى عام 1971، والدكتوراه فى عام 1974، وقد شغل عدة مناصب أكاديمية بجامعات ومعاهد مصر والعالم العربى.

أسس وتولى رئاسة وحدة الدراسات الاستراتيجية بجامعة عين شمس، وعمل مستشارًا لعدة مؤسسات عربية ودولية متخصصة، ومثَّل مصر في الملتقى الأوروبي العربي بإسبانيا، وشارك في مؤتمر مدريد للسلام في العام 1991م بجانب مشاركته في العديد من الفعاليات العربية والدولية.

حصل على العديد من التكريمات العلمية والأدبية المهمة، من بينها: جائزة الدولة التشجيعية فى علم النفس 1972، وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى 1973، جائزة زيور للعلوم النفسية، مركز الدراسات النفسية والنفسية -الجسدية، لبنان، 2004، جائزة الدولة التقديرية فى العلوم الاجتماعية 2000.

ترك الراحل العديد من الكتب والدراسات الفلسفية والسياسية المهمة، كما كان له العديد من الترجمات والأبحاث النفسية والمقالات العلمية والثقافية.

عمل اخصائياً نفسياً بوزارة الصناعة 1958. وباحثاً بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية. ومدرساً مساعداً بكلية الآداب جامعة عين شمس 1972. وتدرج بوظائف هيئة التدريس بها حتى درجة أستاذ علم النفس بها 1984. خبير استشاري في مجالات التدريب و البحوث و الاستشارات المهنية خاصة في مجالات التفاوض والقيادة والاتصال ومشكلات العمل وإدارة الأزمات، 1958- معالج نفسي، 1987، عضو لجنة ثقافة الطفل، المجلس الأعلى للثقافة والفنون، 1993- 2007 (مقرر اللجنة 2005- 2007)، عضو مجلس إدارة مركز الدراسات الشرقية، جامعة القاهرة، 1997- مستشار المركز القومي لدراسات الشرق الأوسط 2001 –

كما أنه كان رئيس تحرير مجلة الطفولة والتنمية التي يصدرها المجلس العربي للطفولة والتنمية 2003 – 2005، ومقرر اللجنة الاستشارية للعلوم الاجتماعية, مكتبة الإسكندرية, 2003- 2006، عضو هيئة مستشاري مركز الحرية للدراسات الاستراتيجية, القاهرة 2004- كاتب بجريدة البديل اليومية المصرية 2007- 2008

أسس وتولى رئاسة وحدة الدراسات الإسرائيلية بمركز بحوث الشرق الأوسط، جامعة عين شمس، 1974- 1977 وأسس وتولى رئاسة وحدة البحوث النفسية بالمجلس الأعلى للسكان وتنظيم الأسرة 1972-1977 وهو مستشار منظمة اليونيسيف بالمجلس الأعلى للشباب والرياضة بدولة البحرين 1977-1979 وعضو لجنة علم النفس والتربية، المجلس الأعلى للثقافة والفنون، 1981 – 2000 وشارك في إدارة بحث “رؤى الصراع”، الذي أجرته جامعة نيويورك، 1981 – 1982 وعضو شعبة التنمية الاجتماعية، مجلس بحوث العلوم الاجتماعية والسكان، 1990 – 2002

وهو أيضًا عضو لجنة تدريب الكوادر الإعلامية، مجلس أمناء اتحاد الإذاعة والتليفزيون، 1990-1995 وعضو لجنة أولويات التعليم والصحة والتنمية الاجتماعية، المجلس الأعلى للجامعات، 1992- 1994 وعضو مجلس بحوث العلوم الاجتماعية والسكان، أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا 1993-2002 وعضو شعبة التربية وعلم النفس، مجلس بحوث العلوم الاجتماعية والسكان، أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا 1993-1999 وعضو لجنة برامج الأمومة والطفولة، مجلس أمناء اتحاد الإذاعة والتليفزيون، 1994-2006 وعضو اللجنة الدائمة لترقية أساتذة علم النفس والفلسفة، المجلس الأعلى للجامعات، 1995-1999 ومقرر اللجنة الدائمة لترقية أساتذة علم النفس، المجلس الأعلى للجامعات، 1999-2001

كما تولى منصب نائب رئيس تحرير مجلة الطفولة والتنمية التي يصدرها المجلس العربي للطفولة والتنمية 2001-2003 ورئيس شعبة التنمية الاجتماعية، مجلس بحوث العلوم الاجتماعية والسكان، 2002 – 2003 ومشرف على قسم الإنسانيات بمعهد بحوث ودراسات البيئة، جامعة عين شمس، 1992 – 1998 ومستشار منظمة اليونيسيف بالقاهرة، مشروع التربية من أجل السلام، 1993 – 1994 وعمل أستاذا زائراً أو منتدباً في عدد من الجامعات في اليمن، والمملكة العربية السعودية، والولايات المتحدة الأمريكية.

فضلًا عن أنه كان عضو المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية. وعضو الجهاز التنفيذي للسكان وتنظيم الأسرة وعضو وحدة الدراسات الاسرائيلية بمركز بحوث الشرق الأوسط بجامعة عين شمس قسم فلسطين. وعضو الجمعية المصرية للدراسات النفسية. وعضو مجلس إدارة، وأمين الصندوق. وعضو مركز بحوث الشرق الأوسط بجامعة عين شمس. وممثل مصر في الملتقى الأوروبي العربي، طليطلة – أسبانيا ، أكتوبر 1994 وعضو وفد مصر في مؤتمر السلام في الشرق الأوسط، 1991 وممثل مصر في لجنة إعداد وتخطيط البحوث الاجتماعية – منظمة الصحة العالمية – جنيف – 1983 وعضوية الجمعيات والمنظمات الأهلية وعضو رابطة الأخصائيين النفسيين المصرية وعضو التحالف المصري للشفافية و مكافحة الفساد 2008

له العديد من المؤلفات منها: حول التفسير النفسي للتاريخ 1970، رأي في نشأة علم النفس 1970، الدراسات النفسية بين التشابه والاختلاف 1970، علم النفس الصناعي والصراع الطبقي 1971، تجسيد الوهم، دراسة سيكولوجية للشخصية الاسرائيلية 1971، المراهقة.. هل هي أزمة 1972، دراسة تجريبية لأثر الجمود الإدراكي والجمود الحركي على التعرض للإصابات في الصناعة، وله أيضا العديد من المترجمات والدراسات والأبحاث النفسية والمقالات المنشورة.

حصل الدكتور قدري حفني على العديد من الجوائز والتكريمات، منها:  حصل على جائزة الدولة التشجيعية في علم النفس 1972. وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى 1973. جائزة زيور للعلوم النفسية، مركز الدراسات النفسية والنفسية-الجسدية، لبنان، 2004. جائزة الدولة التقديرية في العلوم الاجتماعية، 2000. وقامت جامعة عين شمس بإصدار أطروحتي الماجستير والدكتوراه ضمن مطبوعات الجامعة التي يجرى تبادلها بين الجامعات:

– دراسة تجريبية لأثر الجمود الإدراكي، والجمود الحركي على التعرض للإصابات في الصناعة، رسالة ماجستير، منشورات جامعة عين شمس، 1974.

– دراسة في الشخصية الإسرائيلية: الأشكنازيم، رسالة دكتوراه، منشورات مركز بحوث الشرق الأوسط، جامعة عين شمس، 1975.

وأصدر المركز القومي لثقافة الطفل كتيباً تكريماً له بعنوان د. قدري حفني .. ضيفاً على الطفولة، ديسمبر 1992.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

يسعدنا مشاركاتك

زر الذهاب إلى الأعلى
« Browse the site in your preferred language »