دين ودنيامساحة للاختلاف

الداعية أحمد ديدات يكتب: محمد صلى الله عليه وسلم.. هل هناك من هو أعظم منه؟

لقد تغيرت الظروف المحيطة به ولكن نبى الله لم يتغير.. وكانت لمحمد نفس الشخصية فى حال النصر أو الهزيمة وسواء فى حالة القوة أو المحنة وسواء فى ساعة اليسر أو العسرة فرسل الله وأنبياؤه لا يتبدلون كما لا تتبدل طرق الله وسننه ونواميسه.

يقول المؤرخ الفرنسى لامارتين فى كتابه “تاريخ تركيا”:

“لو أن عظم الغاية

وصغر الوسائل وقلة الموارد

والنتائج المدهشة

هى ثلاثة معايير لعبقرية الانسان، فمن يجرؤ على مقارنة أى رجل عظيم فى التاريخ الحديث بمحمد؟

إن أشهر الرجال صنعوا الأسلحة وشرعوا القوانين ووضعوا النظريات وأسسوا الامبراطوريات فقط.. فهم لم يؤسسوا – لو اعتبرنا أنهم أسسوا شيئا يذكر – أكثر من قوة مادية أو سلطات مادية كثيرا ما انهارت وزالت أمام أعينهم.

أما هذا الرجل محمد، فإنه لم “يحرك” ويؤثر فى الجيوش والتشريعات والامبراطوريات والشعوب والأسر الحاكمة فقط ولكنه حرك وأثر فى ملايين الرجال، بل الأكثر من ذلك أنه أزاح التعبد لغير الله والآلهة الزائفة وأثر فى الأديان وغير الأفكار والاعتقادات والأنفس.

واستنادا إلى كتاب كل حرف منه صار يمثل شريعة، أسس محمد قومية روحية أو دينية spiritual nationality امتزجت فيها بتآلف سويا شعوب من كل لسان ومن كل جنس.

إن حقيقة وحدانية الله التى أعلنها ونادى بها ودعا اليها وسط السأم الشديد من النظريات الخرافية غير القابلة للتصديق theologies fabulous، كانت فى نفسها معجزة بحيث أنه بمجرد أن صرح بها دمرت جميع الاعتقادات الخرافية القديمة..

******************************

إن صلواته ودعواته المتصلة، وأحاديثه الغيبية أو مناجاته مع الله، ووفاته ونجاحه وانتصاره بعد وفاته، كلها أمور لا تشهد على أنه كان دجالا أو مدعيا للنبوة ولكنها تشهد على إيمان راسخ منحه القوة لكى يحيى ويجدد العقيدة.. وهذه العقيدة كانت ذات شقين هما: وحدانية الله وأن الله ليبس كمثله شئ.. فالشق الأول يثبت لنا ما لله (من أسماء وصفات).. والشق الآخر ينفى عنه ما ليس له.

“.. حكيم وخطيب ورسول ومشرع ومقاتل وسيد على الأفكار ومحيي ومجدد للاعتقادات المعقولة والمنطقية ولدين بلا تماثيل ولا صور، ومؤسس لعشرين امبراطورية أرضية أو دنيوية وامبراطورية واحدة روحية أو دينية، هذا هو محمد..

ووفقا لكل المقاييس التى يمكن أن تقاس بها عظمة البشر يحق لنا أن نسأل: هل هناك أى انسان أعظم منه”.

***************

أحمد ديدات (1 يوليو 1918 – 8 أغسطس 2005)

داعية وواعظ ومُحاضر ومُناظر إسلامي، اشتُهِر بمناظراته وكتاباته في مقارنة الأديان وعلى وجه الخصوص بين الإسلام والمسيحية أسس وترأس المركز الدولي للدعوة الإسلامية في مدينة ديربان في جنوب أفريقيا وحاز على جائزة الملك فيصل لجهوده في خدمة الإسلام عام 1986م.

وُلد أحمد حسين كاظم ديدات، في تادكهار فار بإقليم سراط بالهند لأبوين مسلمين؛ حسين كاظم ديدات وزوجته فاطمة، هاجر إلى جنوب أفريقيا في عام 1927 ليلحق بوالده، كان يعمل والده بالزراعة وأمه تعاونه ومكثا تسع سنوات ثم انتقل والده إلى جنوب أفريقيا وعاش في ديربان وغير أبوه اتجاه عمله الزراعي وعمل ترزياً. نشأ ديدات على منهج أهل السنة والجماعة منذ نعومة أظافره فلقد التحق بالدراسة بالمركز الإسلامي في ديربان لتعلم القرآن وعلومه وأحكام الشريعة الإسلامية. بدأ دراسته في العاشرة من عمره، وفي عام 1934 أكمل ديدات المرحلة السادسة الإبتدائية، ثم قرر أن يعمل لمساعدة والده فعمل في دكان يبيع الملح وانتقل للعمل في مصنع للأثاث وأمضى به إثنا عشر عاماً. صعد ديدات سلم الوظيفة في هذا المصنع من سائقٍ إلى بائعٍ ثم إلى مديرٍ للمصنع، وفي أثناء ذلك التحق الشيخ بالكلية الفنية السلطانية كما كانت تسمى في ذلك الوقت فدرس فيها الرياضيات وإدارة الأعمال، تزوج أحمد ديدات وأنجب ولدين وبنتاً.

لم يتلق تعليماً دينياً رسمياً كاملاً إلا أن سخرية بعض زملائه الذين تأثروا بالبعثات التنصيرية من زواج الرسول من عدة نساء، قد أثارت فيه الغيرة والحماسة فقادته إلى تغيير مجرى حياته، إذ عمد فوراً إلى اقتناء نسخة من القرآن بـاللغة الإنجليزية ونسخة من الإنجيل، ليبدأ بعدها رحلة من التعلم الذاتي، أعانه على ذلك ذاكرته المتميزة وأسلوب حديثه الشيق، اللذان أكسباه شهرة واسعة عند الجالية المسلمة بجنوب أفريقيا.

أسس لاحقاً معهد السلام لتخريج الدعاة والمركز الدولي للدعوة الإسلامية بـمدينة ديربان بـجنوب أفريقيا في بداية الخمسينيات أصدر كتيبه الأول ماذا يقول الكتاب المقدس عن محمد صلى الله عليه وسلم؟ ثم نشـر بعد ذلك أحد أبـرز كتيباته هل الكتاب المقدس كلام الله؟ وفي المُحصلة ألّف ديدات ما يزيد عن عشرين كتاباً وطبع الملايين منها لتوزع بالمجان بخلاف المناظرات التي طبع بعضها وقام بإلقاء آلاف المحاضرات في جميع أنحاء العالم، وفي عام 1959 توقف أحمد ديدات عن مواصلة أعماله حتى يتسنى له التفرغ للمهمة التي نذر لها حياته فيما بعد وهي الدعوة إلى الإسلام من خلال إقامة المناظرات وعقد الندوات والمحاضرات وفي سعيه الحثيث لأداء هذا الدور زار العديد من دول العالم، واشتهر بمناظراته التي عقدها مع كبار رجال الدين المسيحي أمثال كلارك وجيمي سواجارت وأنيس شروش ولهذه المجهودات مُنح جائزة الملك فيصل العالمية لخدمة الإسلام عام 1986 بالمشاركة.

وفي عام 1996 بعد عودة ديدات من أستراليا بعد رحلة دعوية أصيب بمرضه الذي أقعده طريح الفراش طيلة تسع سنوات، وقيل أنه كان قد أصيب بجلطة في الشريان القاعدي في شهر أبريل عام 1996 بسبب عدة عوامل على رأسها أنه مريض بالسكري منذ فترة طويلة، وقد أصيب بجلطة في الدماغ، تعلم أن يتواصل مع من حوله من خلال سلسلة من حركات العين بتخطيط محدد ويتم تشكيل الجمل والكلمات من خلال التعرف على الحروف المرادة من هذا المخطط، وأمضى آخر تسع سنوات من حياته على السرير في منزله في جنوب إفريقيا حيث قامت زوجته حواء ديدات بالاعتناء به، توفي لاحقاً صباح يوم الاثنين الثامن من أغسطس 2005م الموافق الثالث من رجب 1426 هـ. توفيت زوجته حواء ديدات بعده بعام في يوم الإثنين 28 أغسطس عام 2006 عن عمر 85 سنة. صُنف ديدات بأنه داعية وعالم إسلامي كبير ومعروف على الصعيدين العربي والإسلامي.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

يسعدنا مشاركاتك

زر الذهاب إلى الأعلى
« Browse the site in your preferred language »