الدكتور مصطفى محمود يكتب: أبشروا !

يعلم الإسرائيليون من تاريخهم أن نبيهم داود انتصر علي جالوت بحجر قذف به من مقلاعه فأصاب جالوت إصابة قاتلة في عينه.. ولهذا خرجوا علي أطفال الحجارة يحصدونهم بالدبابات.. وبلغت المواجهة ذروة كريهة من العدوان الجبان غير المتكافيء بين أطفال صغار مكشوفين وعسكر محصنين داخل دروع دباباتهم.. وجاء الرد الفلسطيني بتصعيد العنف إلي ذروة أعلي بدفع عربة ملغومة وتفجيرها في زحام السوق..
وسقط جرحي بالعشرات وقتل إسرائيلي وامرأة هي إبنة إسحاق ليفي زعيم الحزب القومي الديني في إسرائيل.. وندد الرئيس كلينتون بالهجوم وتدخل الرئيس مبارك ليطفيء النار التي اشتعلت بالنصح الهاديء.. وأمر باراك بإغلاق مطار غزة الفلسطيني.. وتتابعت ردود الفعل..
ولم يكن ماحدث مفاجأة لأحد فمطاردة الأطفال بالدبابات والرد علي حجارتهم بطلقات الرصاص أشعل الغيظ في القلوب وقضي علي ماتبقي من عقل
والآن يعلم الكل أن المنطقة سوف تحترق بما يغلي في داخلها من عناصر الإنفجار.. وأن التعايش مستحيل بين الغدر الإسرائيلي الكامن والأطماع الإسرائيلية اللا محدودة واللا نهائية في البيت الفلسطيني وما فيه ومن فيه وفي الأرض التي يري اليهود أنها أرضهم وفي ساكن الأرض الذي يري أن الحل الوحيد هو طرد الآخر أو قتل الآخر.. العقيدة اليهودية تري أن العرب كلهم جويم أي دواب وقطيع متخلف لا تنطبق عليه صفة الآدمية.. ويؤمن اليهودي الذي يحمل المدفع الرشاش أنه يرش به البعوض لا أكثر.. وأنهم شعب كما البعوض لا أرواح لهم.. ولا يرتكب قاتلهم إثما في توراة موسي.. فهم كالحشرات
وتسكن البغضاء سويداء القلوب ويشعل التعصب نفوس الأحبار فيزدادون عمي علي عماهم
ويتعب المفاوضون أنفسهم في تصور حل هو أقرب للمستحيل وانكشفت النفس اليهودية وسقط عنها مكياج الدبلوماسية وظهر القبح الصرف تحت المكياج وأسفرت القسوة والوحشية عن أنيابها وظهرت الصهيونية بأذرعها الأخطبوطية تحاون أن تعتصر الضحية علي ملأ من العالم.. الدبابات تحصد أطفالا بالرصاص لايملكون في أيديهم إلا الحصي.. وطائرات مقاتلة تتصيد الأولاد بالصواريخ.. هل هذه حرب أم هولوكوست.
الحقيقة ظهرت بلا رتوش وبلا أوهام ودونما خداع للنفس
كيف يكون التفاوض مع هؤلاء المجرمين بالعقل وهم يعتقدون أنهم أبناء الله وأحباؤه وأن الدنيا خلقت لهم ليسودها.. وأنهم شعب الله المختار لإصلاح العالم
والأمريكان الذين أبادوا الهنود الحمريفهمون هذا جيدا.. فهم كانوا يتعاملون مع الهنود الحمر بنفس الكبر والاستعلاء
وحينما أباد الأمريكان الهنود الحمر لم يكونوا ينظرون اليهم كبشر متساوين في الحقوق.. وهكذا كان موقف المستعمرين في كل مكان نزلوا إليه في أفريقيا السوداء وكانت سفن المستعمرين تشحن علي ظهرها الآف السود من أفريقيا عبيدا يباعون في اسواق النخاسة
ولم تكن حقوق الإنسان لها صوت ولها وجود في هذا العالم القديم
ولهذا لا يري الأمريكي العادي مانعا من أن يغمض العين بعض الشيء عما يفعله الأشقاء اليهود.. وهم في نظره أصحاب وزن انتخابي له قيمته في الحساب النهائي
والموقف الاستعماري القديم مازال ماثلا في أذهانهم..
ويسأل اليهودي العادي في غطرسة نفس السؤال.. هل كان حلالا ما فعلوه في الهند الحمر.. ليكون حراما علينا مانفعله في الدواب الجويم العرب الذين حقت لنا أرضهم وأملاكهم بأمر الله وحكم التوراة
والظلم يجر بعضه بعضا
ولا يستطيع الظالم أن يقول لأخيه الظالم بالفم المليان.. أنت ظالم
تلك ولا شك خلفيات تجعل هذه المظالم التي يرتكبها اليهود في عين الأمريكان والأوروبيين تبهت كثيرا.. ولا يعود لها في الواقع مكان
وسوف يتعاطف الظلمة بحكم تاريخهم وبحكم سجلاتهم وبحكم أفعالهم.. فمن يحاسب من؟!!
وسوف تبقي المشكلة.. عربية يهودية.. في النهاية وليذهب العرب الي الجحيم
ولماذا ينصر الأوروبيون الإسلام وهم ألد خصومه؟!!
وأين كانوا في الحروب الصليبية.. مع أهل الصليب.. أم مع أهل الاسلام..؟!!
من أجل هذا يشعر اليهود بالأمان رغم ظلمهم.. فبينهم وبين أمريكا وأوروبا مواثيق ومصالح.. والحال من بعضه وفي أسوأ الفروض سوف يضمنون حيادهم اذا جد الجد
ومن أجل هذا يمشون إلي آخر الشوط في ظلمهم وغرورهم ولا يعبأون بأحد.
ومن أجل هذا يتجبرون ويتمردون ويركبون رؤوسهم ويمضون في ظلمهم وأنوفهم في السماء فالله ناصرهم وأمريكا الكبري حليفتهم.. فمن يخافون؟!!
إن المشهد كله يدفع الي المزيد من التعصب والجنون.. والحجر يتدحرج من أعلي الجبل الي الهاوية.. كما تتفجر النفوس من الغضب
وسوف يتداعي الموقف إلي صدام أكيد.. والكلام عن السلام ضرب من الأحلام وحديث أمنيات
ويجب أن يكون هذا في حساب الإخوة العرب وتقديرهم وأن يعدوا العدة لجميع الاحتمالات
هل هذا تشاؤم؟
بل هو أخذ للأمور بالجدية اللازمة..
والأسوأ من ذلك بكثير.. هو الاسترخاء.. والنظر الي مايجري بتفاؤل أبله.. وانتظار معجزة تفاوضية يصنعها كلينتون.. والنوم في أحضان سلام كاذب يصنعه الوهم ويزينه الصديق الأمريكي بالعبارات الإنشائية والتذكيربحقوق الإنسان التي يقصد بها دائما حقوق الإنسان اليهودي وحده.
وإذا نجح آل جور في الانتخابات فسوف يأتي ومعه نائبه اليهودي الحاخام جوزيف ليبرمان.. واذا أصاب آل جور مكروه لا قدر الله.. فسوف يتقدم ليبرمان ليدير دفة الحكم ومن ورائه الحاخامات يحكمون العالم كله لأول مره في التاريخ
واذا جاء بوش بمواهبه العقلية المحدودة فلن يختلف الأمر كثيرا
ونحن نظن في العادة أن هذا وذاك من الذين يجلسون علي الكراسي هم الذين يحكمون العالم ويسيرون مقدراته وفق مشيئاتهم.. فهكذا نراهم طول الوقت في الظاهر هم الذين يصدرون لأوامر.. وهم في الحقيقة لا أكثر من عرائس تحركهم خيوط خفية من وراء خباء.. وما ثم في الحقيقة الا واحد هو الله الذي يحكم حركة الكون بما فيه ويسبب الأسباب ويمتحن القلوب ويختبر الضمائر ويسمح للرصاصة بأن تنطلق بعد أن يسجل نية القتل علي الفاعل.. ولكن اذا أراد ألا تصيب الرصاصة مقتلا فانها لن تصيب.. ولكن نية القتل سبقت وحقت الجريمة علي فاعلها.. فالموت والحياة عنده والعقاب والثواب عنده.. وهو وحده الذي يحيي ويميت.. وإن ظن الحكام أنها أمور بأيديهم.. فإنه هو وحده الذي يحيي ويميت وإن بدت الإماتة والإحياء علي يد هذا وذاك.
وهو الذي جاء بصلاح الدين في الماضي ولو شاء لجاء بغيره.. وهو الذي نصر السادات في حرب73 وهو الذي ألبس جمال عبدالناصر ثوب الخزي وعار الهزيمة في حرب67 وسوف نعلم يوم الحساب لماذا فعل فهو الناصر ولا ناصر غيره.. وهو الذي أمد اليهود بالمساندة الأمريكية.. وما زال يمدهم.. وهو الذي سوف يكسرهم الكسرة النهائية ويهدم كل مابنوا ويتبر كل ما علوا تتبيرا
بأيدي من؟!! من سيكونون أصحاب هذا الشرف الرفيع؟!!
من الذي سيدخل علي اليهود القدس ويدمر عليهم الهيكل الذي رفعوا بنيانه ويحيله أنقاضا.. وأين تكون أمريكا العظيمة حينذاك..؟!
تكون حيث يريدها الله أن تكون.. كما فعل من قبل بعاد الأولي وثمود وبفرعون ذي الأوتاد (التي نسميها الآن بالمسلات).. فهو المعز المذل.. وهو وحده الجبار المتكبر.. وهو وحده المنتقم القهار.. وقد جاءت عار الثانية في ميقاتها
والعرض مستمر.. ونحن شهود
اقرأوا التاريخ فهو سجل إرادته ودفتر أوامره وهو معني أسمائه المعز المذل والرافع الخافض والقابض الباسط
وهو الصبور.. ومقدار صبره هو التاريخ كله.. وماقبل التاريخ وما بعده.. وبطول الأزل والأبد.. ولهذا يقول القرآن إنه… أحاط بكل شيء علما فهو الحضور المستمر.. والآنية الممتدة
ومن يؤمن بالله يخرج من إسار الزمن ويتحرر من سجن اللحظات ويفوز بشميم من هذه الحضرة المستمرة والآنية التي يختفي فيها الزمن وتتأبد اللحظات.
ولا تجد هذه اللغة ولا هذا الفهم الا عند الصوفية المستغرقين في الذكر الغائبين عن أنفسهم وشهواتهم
هل خرجنا عن الموضوع.؟؟
بل نحن في صميم الموضوع
وانما هي إطلاله علي الدنيا من فوق
ويلزم من وقت لآخر أن نخرج من الدنيا ونطل علي صراعاتها من فوق لنحيط بالمشهد في كليته.. ولنفهم أكثر.. ولندرك هذه الصراعات في حجمها الحقيقي.. وساعتها نبلغ الاستنارة وتمتليء قلوبنا بالثقة والهدوء وبرد اليقين
والايمان في النهاية هو كل شيء.. وفي ضوء الايمان تعود الدنيا الي حجمها الضئيل الهزيل وفي ضوء الايمان ترخص التضحيات ويصبح الاستشهاد أمنية والموت في سبيل الله حياة وميلادا., والمسلم يتمني الموت في ساحة القتال واليهودي لا يتمني الموت أبدا
يقول ربنا: « وَلَن يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ» (البقرة : 95)
وهذه شهادة ربنا فيهم وهو العليم بنفوسهم
وبسبب هذا الجبن الغريزي الذي يملأ قلوبهم نراهم يتجنبون حروب المواجهة والقتال رجلا لرجل
يقول عنهم ربنا: «لَأَنتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِم مِّنَ اللَّهِۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَفْقَهُونَ (13) لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَاءِ جُدُرٍۚ بَأْسُهُم بَيْنَهُمْ شَدِيدٌۚ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّىٰۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْقِلُونَ (14) كَمَثَلِ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ قَرِيبًاۖ ذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (15) كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (16)» (الحشر : 13 – 16).
وهذه حربهم وجبنهم وتخاذلهم وكفرهم..
وهذه شهادة ربنا فيهم.. وكلها بشارات ونبوءات بسوء نهايتهم, ونهايتهم الهزيمة الكاملة والانكسار المهين مهما استصرخوا أعوانهم الشياطين وحلفاءهم الأمريكان وأبناء جلدتهم الأوروبيين وأصنامهم الدولار والاسترليني والبورصة والسوق وأبالسة الأسلحة النووية.. فدمارهم قادم ومحتوم من الأزل وموتهم يسعي اليهم سعي الحية الرقطاء الي جحرها.
لماذا أثق كل هذه الثقة بالنهاية؟!!
لأنه لا يصح الا الصحيح.. ذلك قانون الأرض الذي أرساه الخالق الذي خلقها.. يقول ربنا: أما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض…
لا يبقي في الأرض ولا يدوم ولا يخلد الا الصالح والنافع أما حصاد الشر فيذهب مع أول ريح..
أبشروا.. إنهم ذاهبون.. ستعصف بهم أول ريح
واذا أردتم أن تعجلوا بالنصر.. فغيروا من أنفسكم.. كونوا أشداء علي الكفار رحماء بينكم.. فالله لا يغير ما بقوم حتي يغيروا ما بأنفسهم
لقد جعل الله مقاليد نصركم في أيديكم
ثقوا به وآمنوا بكلمته.. فلا كلمة تعلو علي كلمته
تزول السماوات والأرض ولا تزول كلمته.. وقد أوشكت أن تحل بهم كلمته
وليس أقوي من الإيمان بالله شيء.
*****************
د. مصطفى محمود (27 ديسمبر 1921 – 31 أكتوبر 2009)
فيلسوف وطبيب وكاتب مصري. ألف 89 كتاباً منها الكتب العلمية والدينية والفلسفية والاجتماعية والسياسية إضافة إلى الحكايات والمسرحيات وقصص الرحلات، ويتميز أسلوبه بالجاذبية مع العمق والبساطة.
كان مصطفى محمود مقدّماً لأكثر من 400 حلقة من برنامجه التلفزيوني الشهير.
ولد بمدينة شبين الكوم في محافظة المنوفية، واسمه بالكامل (مصطفى كمال محمود حسين آل محفوظ)، درس الطب وتخرج عام 1953 وتخصَّص في الأمراض الصدرية، ولكنه تفرغ للكتابة والبحث عام 1960. تزوج عام 1961 وانتهى الزواج بالطلاق عام 1973. رزق بولدين هما “أمل” و”أدهم”. تزوج ثانية عام 1983 من السيدة زينب حمدي وانتهى هذا الزواج أيضا بالطلاق عام 1987.
أنشأ عام 1979م مسجده في الجيزة المعروف بـاسم “مسجد مصطفى محمود”. ويتبع له ثلاثة مراكز طبية تهتم بعلاج ذوي الدخل المحدود. وشكل قوافل للرحمة من ستة عشر طبيبًا، ويضم المسجد الجمعية الفلكية بمسجد محمود، ومتحفاً للجيولوجيا، يقوم عليه أساتذة متخصصون. ويضم المتحف مجموعة من الصخور الجرانيتية، والفراشات المحنطة بأشكالها المتنوعة وبعض الكائنات البحرية. أُطلق على كويكب اسم (296753) مصطفى محمود تكريما له.
له العديد من المؤلفات، ويعد من أروع كتبه وأعمقها (حوار مع صديقي الملحد)، (رحلتي من الشك إلى الإيمان)، (التوراة)، (لغز الموت)، (لغز الحياة)، (الله والإنسان)، وغيرها من الكتب شديدة العمق في هذه المنطقة الشائكة..
يروى مصطفى محمود أنه عندما عرض على التلفزيون المصري مشروع برنامج العلم والإيمان، وافق المسئولين راصدين 30 جنيه للحلقة، وبذلك فشل المشروع منذ بدايته إلا أن أحد رجال الأعمال علم بالموضوع فأنتج البرنامج على نفقته الخاصة ليصبح من أشهر البرامج التلفزيونية وأوسعها انتشاراً على الإطلاق، ولا يزال الجميع يذكرونه سهرة الإثنين الساعة التاسعة ومقدمة الناى الحزينة في البرنامج وافتتاحية مصطفى محمود (أهلا بكم)!
كان صديقاً شخصياً للرئيس السادات ولم يحزن على أحد مثلما حزن على مصرعه يقول في ذلك “كيف لمسلمين أن يقتلوا رجلاً رد مظالم كثيرة وأتى بالنصر وساعد الجماعات الإسلامية ومع ذلك قتلوه بأيديهم.. وعندما عرض السادات الوزارة عليه رفض قائلاً: “أنا فشلت في إدارة أصغر مؤسسة وهي الأسرة.. فأنا مطلق.. فكيف بي أدير وزارة كاملة..!!؟؟ “. فرفض مصطفى محمود الوزارة كما سيفعل بعد ذلك جمال حمدان مفضلاً التفرغ للبحث العلمي..
تمركزت جهود مصطفى محمود حول توضيح خطر الصهيونية، ووظف لها – فضلا عن مقالاته – 9 كتب أصدرها خلال حقبة التسعينيات، تتضمن أطروحاته الفلسفية تجاه جذور الخطر وحاضره ومآلاته. ولعل هذا المجهود الفكري من جانب مصطفى محمود هو ما دفع أسرته وعددا من متتبعي سيرته لاتهام إسرائيل بالوقوف وراء منع صاحب “العلم والإيمان” من استكمال برنامجه الشهير بالتلفزيون المصري، فضلا عن حظر مقالاته في الصحف، ففي كتابه “إسرائيل البداية والنهاية”، يقول مصطفى محمود إن “إسرائيل تتصرف وكأنها تتعامل مع أصفار، وتتوسع وكأنها تمرح في فراغ، وهذا الغياب للموقف العربي سوف تكون له عواقب وخيمة”. وأمام هذا التهاون أو الهوان العربي كان ضروريا أن يحذر المفكر المصري من مآلات السلام الذي يسعى إليه الكيان الصهيوني، ففي كتابه “على حافة الانتحار” رأى أن إسرائيل ليست لديها نية جادة للسلام بقدر ما هي راغبة في تطويع وقبول من الطرف العربي لسلام من طرف واحد.
ويستدل محمود على رأيه بأن تل أبيب بقياداتها السياسية وزعاماتها الدينية تزرع المزيد من الكراهية ضد العرب، كما أن آلتها العسكرية تتوسع باستمرار على حساب شعب فلسطين، فضلا عن أنها ما زالت تطور أسلحتها الذرية والبيولوجية والكيميائية وتضعها على حدود مصر ولا تدخر جهدا في المساهمة في تدمير الاقتصاد المصري. لذلك طالب الكاتب بأن تعي الدول العربية ما يُحاك لها من قبل الاستيطان الصهيوني، وأن تحذر في تعاملها مع السلام الذي يُطلب منها اللحاق به، وهو ما يحتاج الاستقلال العسكري والاقتصادي. ويزيد مصطفى محمود من التحذير في كتابه “إسرائيل النازية ولغة المحرقة”، قائلا “انظروا إليهم كيف يتفاوضون مع العرب ويحسِبون نصيبهم من الأرض بالمتر والسنتيمتر ونصيبهم من الماء فوق الأرض وتحت الأرض وفي جوف الأرض، ويريدون الحفر في الماضي والحفر في الحاضر والحفر في دماغنا ولا نهاية لمطالبهم”. ولخص صاحب العلم والإيمان رؤيته للسلام بين العرب مع الكيان الصهيوني، بأنه عقد إذعان أكثر منه اتفاقا وتراضيا، وبأنه طريق مرصوف بالجحيم.
وعبر سلسلة الكتب التي تناولت الخطر الإسرائيلي، تطرّق مصطفى محمود إلى كثير من الخطط الصهيونية، ومنها تشويه الإسلام عبر استخدام ودعم من سماهم إسلاميين متطرفين لتدمير الحضارة الإسلامية من الداخل، داعيا في ذلك إلى ضرورة أن يتعامل المسلمون مع المعطيات الجديدة للعصر ونقد الموروث القديم. وأضاف أن إسرائيل تخطط للتحكم في منابع النيل عن طريق السيطرة على منطقة البحيرات الكبرى، وإثارة الحروب والفتن الطائفية والعنصرية بين نصارى الجنوب ومسلمي الشمال في السودان، المنكوب بالتآمر من كل بلاد الجوار الأفريقي.بالإضافة لعلاقات إسرائيل بالحبشة وإريتريا وتسليحها للإثنين وإمدادهما بالمعدات العسكرية أمور لها مقابل، وبوابة البحر الأحمر ودول القرن الأفريقي وجزر البحر الأحمر، كلها محطات إستراتيجية تقع تحت رقابة وأطماع العين الإسرائيلية طول الوقت”.
أصيب بجلطة، في عام 2003 وأصبح يعيش منعزلاً وحيداً. وقد برع الدكتور مصطفى محمود في فنون عديدة منها الفكر والأدب، والفلسفة والتصوف، وأحياناً ما تثير أفكاره ومقالاته جدلاً واسعاً عبر الصحف ووسائل الإعلام. قال عنه الشاعر الراحل كامل الشناوي ”إذا كان مصطفى محمود قد ألحد فهو يلحد على سجادة الصلاة، كان يتصور أن العلم يمكن أن يجيب على كل شيء، وعندما خاب ظنه مع العلم أخذ يبحث في الأديان بدءا بالديانات السماوية وانتهاء بالأديان الأرضية ولم يجد في النهاية سوى القرآن الكريم“.
من ناحية الجانب الفني والأدبي، كتب الدكتور الراحل مجموعة من الأشكال الأدبية ما بين الرواية والمسرح والقصص القصيرة وتجسدت في أعمال مثل شلة الأنس والعنكبوت والمستحيل وغيرها. تعد “شلة الأنس” هي مجموعة قصصية صدرت عام 1962، تبرز شخصيات واقعية شعبية، تجتمع كل يوم وقت العصاري، يدخنون المعسل والجوزة ويتحدثون في الفن والاختراعات، وتحولت الرواية إلى فيلم سينمائي يحمل نفس الاسم في عام 1976. ولعب بطولة الفيلم كلا من نور الشريف وعزت العلايلي ونيللي وهدى سلطان، وآخرين، وبعدها كتاب “العنكبوت” وهي من أشهر رواياته وصدرت عام 1965 وهي رواية فلسفية لا تخلوا من لمسة خيال علمي وتناقش فكرة مصير الروح وارتباطها بالإنسان وماذا يحدث بعد الموت، وثم تقديم الرواية في مسلسل عام 1973 ولعب بطولته كلا من عزت العلايلي ومحمود المليجي، ومديحة كامل وآخرين.
وطرح مصطفى محمود رواية “المستحيل” عام 1960 وكانت تحكي عن مهندس شاب يكتشف فجأة أن حياته مزيفة وكل شيء بها مفروض عليه، وتتوالى الأحداث ثم تحولت لفيلم سينمائي بنفس الاسم عام 1965. ولعب بطولة فيلم “المستحيل” كلا من كمال الشناوي وحسين كمال، ونادية لطفي ووضع لها السيناريو يوسف فرنسيس، وشارك في الكتابة مصطفى محمود. وفي عام 1965 كتب فيلم “العنب المر” وكان من بطولة أحمد مظهر ولبنى عبد العزيز المأخوذ من إحدى قصصه الشهيرة، وبعدها عام 1968 كتب الحوار الخاص بفيلم “نار الحب” الذي لعبت بطولته سعاد حسني وحسن يوسف.
حازت روايته “رجل تحت الصفر” على جائزة الدولة لعام 1970 وبتاريخ الاثنين 7 يوليو 2008 صد عدد خاص من (الجزيرة الثقافية) وكان يتحدث من الغلاف إلى الغلاف عن مصطفى محمود، ضم الملف كتابات لثلاثين مثقفاً عربياً من محبي مصطفى محمود، كما ضم العدد الخاص، صوراً خاصة وكلمة بخط يد مصطفى محمود وأخرى بخط ابنته أمل، وقد كتبت ابنتهُ فيه كلمات رقيقة صورته على حقيقتهِ: “(قيمة الإنسان هي ما يضيفه إلى الحياة بين ميلاده وموته) تلك الكلمة تمثل مبدأه ومشواره الإنساني، والمقصود بالأمانة هنا، ليس المجد الأدبي والعلمي والمادي بل العطاء الإنساني لوجه الله تعالى وكل ما يفيد البشر.. أي العطاء والخير والمساندة للغير فهو إنسان شديد التسامح حتى لمن أساء إليهِ قولاً وفعلاً..بسيط جداً، يحمل قلب طفل يحلم بالعدالة الاجتماعية وإعلاء كلمة الأمة الإسلامية..أطال الله عمرك يا أبي ومتعك بالصحة حتى ترى حلمك يتحقق وهو وحدة الأمة العربية والإسلامية وإعلاء كلمتها لتصبح كما قال الحق في كتابه العزيز {خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ}..” وأنهت الكلمات بـوصف نفسها: ” إبنته ومرافقته الوحيدة “.